كان الأستاذ حسن يقرأ جريدة الصباح، حين سمع طرقا على باب شقته، فطلب من ابنه هشام أن يرى من الطارق.
وعاد هشام وقال: إنه العم حامد يطلب أن يراك.
قام الأستاذ حسن يستقبل ضيفه، ويدعوه للدخول. فلما جلسا في غرفة الاستقبال، قال العم حامد في حزن وخجل: الحقيقة أني أتيت أشكو إليك من سوء معاملة الجيران، بل وكل الناس لي. ورغم توبتي الصادقة، فإن الناس لم تنس الخطأ الوحيد الذي ارتكبته.
قال الأستاذ حسن في دهشة: ولكن هذا شيء مضى وانتهى، والله سبحانه وتعالى يقبل التوبة، فلماذا لا يقبلها الناس؟
قال العم حامد في أسى: إنهم يذكرونني دائما بما فعلته ذات يوم، وأعلنت عنه توبتي. وها قد مضى عام كامل لم أرتكب فيه أي خطأ، وصرت الآن أعمل وأكسب من عرق جبيني، وإن كان ما أكسبه نقودا قليلة، ولكني أحمد الله عليها، ويبارك الله لي فيها.
شكوى العم حامد من رفض الناس لتوبته
قال الأستاذ حسن، وهو يقدم لضيفه كوبا من عصير الفواكه: لا تحزن يا عم حامد، وسوف أتحدث إلى الجيران في هذا الخصوص.
قال العم حامد وهو ينهض من مقعده: وأنا ما جئت إليك إلا لما أعرفه عنك من طيبة قلبك وحبك فعل الخير، فشكرا لك.
قال الأستاذ حسن وهو يودع العم حامد: لا شكر على واجب يا عم حامد.
وعندما انصرف العم حامد قال هشام لوالده: لقد سمعت يا أبي طرفا من الحديث بينك وبين العم حامد.
فقاطعه والده: وكيف سمحت لنفسك بذلك؟
قال هشام في أدب وهو يخفض رأسه: سمعته يا أبي في أثناء إحضاري كوب العصير الذي قدمته للضيف.
قال والده: أنت تعرف العم حامد يا هشام، وتعرف أنه ارتكب خطأ ذات يوم، ولكن الناس لم ينسوا له ذلك.
قال هشام: أسمعهم يقولون إنه لص.
قال والده: لا يا بني، لقد فعلها مرة واحدة في حياته، حيث مرض ابنه، ولم يجد عنده ثمن الدواء، فاضطر للسرقة واعترف بخطئه، فتاب، وتاب الله عليه، والله تواب رحيم.
حوار حول معنى التوبة واسم الله التواب
قال هشام: أعلم يا أبي أن «التواب» اسم من أسماء الله الحسنى، وأحب أن أعرف معناه.
قال والده: إن الله سبحانه وتعالى شرع التوبة رحمة بعباده، فلو لم يشرعها لكان كل من ارتكب معصية مصيره إلى النار، فإذا عرف المذنب ذلك، يئس من رحمة الله فازداد في معصيته، وعانى المجتمع من شروره.
قال هشام: حقا يا أبي، فالله تبارك وتعالى يعطيهم الفرصة ليتوبوا.
قال والده: شرع الله التوبة رحمة بالمذنب أولا ثم رحمة بعباده ثانيا. فالذي أخطأ وعصى يجد باب التوبة مفتوحا أمامه، ليعود إلى منهج الله، فيسرع إلى التوبة عله ينجو من النار ويدخل الجنة.
قال هشام: هل ورد اسم «التواب» في القرآن الكريم يا أبي؟
قال والده: نعم، ورد في ست آيات شريفة، مثل قول الله سبحانه وتعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم}. فبهذه الصفة قبل التوبة من أول عبد من عباده، لأن آدم عليه السلام هو أول من تاب من البشر.
قصة نبي الله يونس وهجره لقومه
قال هشام: أعلم قصته يا أبي حين عصى أمر الله وأكل من التفاحة. ولكن هل هناك نبي آخر أخطأ فتاب الله عليه؟
قال والده مبتسما: نعم، هناك موسى عليه السلام، حين ضرب المصري فمات دون أن يقصد أن يقتله، وهناك يونس حين خالف أمر الله وترك قومه.
قال هشام في شوق: هلا قصصت علي قصة يونس يا أبي؟
قال والده: كان يونس نبيا أرسله الله تعالى إلى قومه، فراح يذكرهم بعبادة الله الخالق الرازق المستحق للعبادة، ولكن أحدا لم يصدقه، حتى امتلأ صدره باليأس منهم، فغضب وقرر أن يهجرهم ويكف عن دعوتهم ويرحل عنهم، ولم يكن الأمر الإلهي قد صدر ليونس بهجرهم والتخلي عن دعوتهم.
كما لم يكن يونس عليه السلام يظن أن يعاقبه الله على هجر قومه، فتوجه إلى شاطئ البحر ليركب سفينة تقله إلى بلد آخر، حيث يجد أناسا غيرهم يقبلون دعوته، ويؤمنون بها. فرأى سفينة في الميناء فركبها، وما أن حل الليل حتى هبت عاصفة شديدة، وراحت الأمواج تتقاذف السفينة، وهطل المطر غزيرا فزادت حمولة السفينة وكادت تنقلب.
ابتلاء يونس في بطن الحوت وتوبته
وألقى ركاب السفينة متاعهم في البحر، لتخف حمولة السفينة ولكنها ظلت ثقيلة. فاقترح الربان أن يلقي أحد الركاب نفسه، لتخف حمولتها، وأجروا القرعة ثلاث مرات، فوقعت في المرات الثلاث على يونس، فألقى بنفسه في الماء. وبعث الله حوتا كبيرا تلقفه يونس وابتلعه. ووجد يونس نفسه في بطن الحوت في ظلمات ثلاث: هي ظلمة الليل، وظلمة أعماق البحر، وظلمة جوف الحوت.
هنالك أدرك يونس أنه أخطأ في حق قومه، فراح يسبح بحمد ربه فنادى في الظلمات {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}. فتاب الله عليه، وأمر الحوت فلفظه على الشاطئ، وشفاه الله مما أصابه، وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون لهدايتهم. وهكذا ترى يا هشام أن الله سبحانه وتعالى يتقبل التوبة ويحب التوابين.
قال هشام: سوف أخبر زملائي في المدرسة، ليبتعدوا عن الأذى، ولا يكرروا أخطاءهم، وأعرفهم معنى اسم «التواب».
قال والده: وأنا كذلك سأخرج إلى الناس، وأعرفهم أن يقبلوا توبة العم حامد، ويمنعوا عنه الأذى، فالله سبحانه وتعالى تواب رحيم.





