قصة الحصان الساخط

تعرف على قصة ومغامرة الحصان الساخط داحس، الذي يسعى للهروب من حياته اليومية لتحقيق حلمه المستحيل. هل سيجد السعادة في مكان آخر؟
جدول المحتويات

في قديم الزمان، عاش حصان صغير وجميل اسمه داحس في مزرعة واسعة. كان لديه أصدقاء مميزون، عجلة بيضاء تدعى فلة وخنزير وردي يدعى رورو. رغم أن داحس كان يملك كل ما يحتاجه ليكون سعيدًا في المزرعة – الحقول الخضراء والطعام الوفير والأصدقاء الطيبين – إلا أنه لم يكن راضيًا عن حياته. السبب يعود إلى ما قالته أمه له عندما كان صغيرًا: أن جده البعيد كان من خيول السباق. ومع مرور الوقت، بدأ داحس يشعر بأنه أرفع من أن يكون مجرد حصان للجر والعمل.

ذات يوم، شد المزارع داحس إلى العربة ليذهب إلى السوق، حيث شهد داحس مهرجانًا مليئًا بالألوان والموسيقى. ما لفت انتباهه بشكل خاص هو الأرجوحة الدوارة التي كانت تحمل خيولًا قرمزية بديعة. أُعجب داحس بتلك الخيول وقرر أنه لا بد أن ينضم إليها، معتقدًا أن هذا هو المكان المناسب له كحفيد لجواد السباق.

أخبر داحس فلة ورورو عن قراره بمغادرة المزرعة للانضمام إلى خيول الأرجوحة. حاول الصديقان إقناعه بالبقاء، لكنه كان مصممًا على المغامرة. في الليل، خرج داحس من المزرعة وتوجه إلى السوق، حيث كانت الأرجوحة الدوارة مهجورة. صعد داحس على أحد الخيول القرمزية وطلب بأدب أن يفسحوا له مكانًا بينهم، لكن الخيول بقيت صامتة. أدرك داحس في النهاية أنها مجرد خيول خشبية.

شعر داحس بالنعاس ونام بجانب الأرجوحة، حتى أيقظه رجل ربطه إلى عجلة عربة. في الحلم، تحول داحس إلى حصان أرجوحة وبدأ يدور بسرعة مع الموسيقى، لكنه سرعان ما شعر بالدوار والتعب. استيقظ من الحلم مذعورًا، مدركًا أن حياة حصان الأرجوحة ليست كما تخيلها.

في الصباح، استغل داحس فرصة عندما كان الرجل يفك الحبل، وهرب عائدًا إلى المزرعة. أدرك حينها أن مكانه الحقيقي هو بين أصدقائه وفي المزرعة. استقبلته فلة ورورو بفرح كبير، وعاد داحس إلى حياته السابقة، راضيًا بعمله في جر العربات، ونسي تمامًا حلمه بأن يكون حصان سباق مثل جده.

في النهاية، تعلم داحس أن السعادة ليست دائمًا في البحث عن حياة مختلفة، بل في تقدير ما يملكه بالفعل.

قصة الحصان الساخط مكتوبة

يحكى أنه كان في قديم الزمان حصان صغير الحجم اسمه داحس. كان جميلاً، ذا أنف ناعم كالمخمل، وفروة بنية تلمع كالكستناء المصقولة. عاش داحس في مزرعة له فيها أصدقاء كثيرون، وبيت حسن دافئ، وطعام كثير، وحقول خضراء يركض فيها، ويُسر كثيراً. كان لديه صديقان حميمان في تلك المزرعة، عجلة بيضاء اسمها فلة، وخنزير وردي اسمه رورو.

لا شك، أيها القارئ الصغير، في أنك توافقني على أن داحس كان يملك كل شيء يجعله سعيداً، ولكنني يؤسفني أن أخبرك بأنه كان حصاناً صغيراً ساخطاً. لقد قالت له أمه، بفخر عظيم، عندما كان صغيراً جداً، إن جده البعيد كان من خيول السباق. في ذلك الحين، لم يعر داحس قول أمه اهتماماً كبيراً، لكنه عندما كبر، بدأ يتذكر ذلك القول بين الحين والآخر، وأخيراً قرر أنه أرفع من أن يكون حصاناً للجر والعمل.

التذمر من العمل

صار كره الحصان داحس لعمله يزداد يوماً بعد يوم، وكان يتذمر حينما يُشد إلى العربة لتسليم الحليب، أو أخذ المزارع إلى السوق، أو مرافقة زوجته للزيارة. في أحد الأيام الجميلة، شد المزارع الحصان داحس إلى العربة الصغيرة، واستعد للذهاب إلى السوق. وضع في العربة بيضاً طازجاً، وزبداً وجبناً، وورداً أحمر من حديقته. وتبرم الحصان البني كعادته وتململ، حتى اضطر المزارع إلى دعوة ابنه الصغير للإمساك بالرسن حتى ينهي استعداده للذهاب إلى السوق.

وأخيراً انطلقت العربة، وراح داحس يركض على الطريق بسرعة. كانت الشمس مشرقة، والعصافير تغرد، فأخذ المزارع يصفر لحناً قصيراً رائعاً. وعندما اقتربا من سوق البلدة، سمع المزارع والحصان ألحاناً موسيقية مرحة. وعندما دخلا ساحة السوق، نظر داحس حوله مندهشاً. كان يوم المهرجان، وكانت هناك أرجوحات على شكل زورق، وأخرى دوارة، ولعبة رماية على جوز الهند. نصب داحس أذنيه مندهشاً.

مشاهد من السوق

رأى داحس ما يستحق الفرجة، وسر كثيراً عندما وقف صاحبه في وسط السوق تماماً، وأخذ البيض والزبد والجبن والورد من العربة، ثم اختفى في شارع قريب. كان المكان مكتظاً بالناس، ولم ير داحس مثل هذا العدد الكبير من الأولاد في حياته. بعضهم كان يطير في الهواء على الأرجوحات الزورقية، وهم يصيحون ويضحكون، والبعض الآخر كان يدور على الأرجوحة الدوارة وسط أنغام الموسيقى.

كان عدد كبير من الأطفال قد اشتروا بالونات ملونة من عجوز صغيرة الحجم، وراحوا يركضون بها وهي مربوطة بخيوط طويلة. ثم عرض أحدهم مشهداً بالدمى المتحركة، حيث تخاصم فيه “يانش” الأحدب وزوجته “جودي” بطريقة مضحكة، ما جعل داحس يضحك كثيراً. أسف الحصان لانتهاء العرض، إذ أضحكه يانش بشكل كبير.

انبهار داحس بالخيول الدوارة

في تلك اللحظة، استرعت انتباه داحس الأرجوحة الدوارة. ودهش كثيراً عندما رأى أن الأولاد لا يجلسون على كراسي أو مقاعد، بل يركبون خيولاً، ويا لها من خيول! كانت تلك الخيول مخلوقات فاخرة، ذات عيون كبيرة براقة، وأنوف واسعة شامخة، وكانت أعرافها الطويلة وأذنابها تسبح في الهواء. فراؤها كانت قرمزية، مزينة بلمسات ذهبية هنا وهناك.

لم يتصور داحس قط أن مثل تلك المخلوقات الرائعة موجودة في الدنيا. وقف هادئاً، ورقبته ممدودة، وعيناه ممتلئتان بالإعجاب. فجأة، ضرب الطريق الصلبة بحافره، فأطلق شرارة في الهواء، ثم هز رأسه بحيوية وقال لنفسه: “طبعاً، هذا هو المكان الذي يجب أن أكون فيه.”

“هذا هو نوع الحياة الذي يناسبني، هذه هي الطريقة التي يجب أن يعيش بها حفيد جواد السباق. سأنضم إلى تلك الخيول اللامعة، فهي ستكون مستعدة جداً للترحيب بي عندما تعرف من أنا.”

عاد المزارع في تلك اللحظة، وانطلق مع داحس عائدين إلى المنزل.

عودة داحس إلى المنزل

عاد المزارع في تلك اللحظة، وانطلق مع داحس عائدين إلى المنزل. ما كاد الحصان الصغير يُطلق سراحه في الحقل حتى ركض إلى السياج، لأنه كان يعلم بأن العجلة فلة ستكون في الجانب الآخر من الحقل. جاءت راكضة عندما سمعت صهيل داحس الخفيف.

قالت له، وهي تلهث قليلاً: “مرحباً، هل قضيت وقتاً ساراً؟ ما أسعدك! كم أتمنى أن أساق إلى السوق!”

رد داحس قائلاً: “أأنا سعيد؟ لا أظن أنني سعيد أبداً. أصغي إلي يا فلة، إنني سأغادر المزرعة هذه الليلة.”

قرار الرحيل

دهشت فلة وقالت له بصوت فيه دهشة كبيرة: “ستغادر المزرعة! ما الداعي لذلك؟” ثم ازدادت اقتراباً من السياج لتراه بشكل أكثر وضوحاً. فحدثها داحس مطولاً عن خيول الأرجوحة الدوارة، وكيف قرر أن يصبح واحداً منها. بدت العجلة الصغيرة البيضاء حزينة، وقالت له: “لا تذهب يا داحس، ابق معنا، فأنا والخنزير رورو سنحزن لفراقك كثيراً.”

لكن الحصان البني كان مصراً على الذهاب. وعندما التقى بالخنزير رورو، أخبره عن خطته بالتفصيل. فقال له رورو: “لا تذهب يا داحس، انسَ كل شيء عن تلك الخيول البليدة الحمراء، وابقَ هنا معنا. سنشتاق إليك كثيراً أنا وفلة.”

ورغم نصائح فلة ورورو، قرر داحس المغادرة. وعندما ودعهما، شعر بالاكتئاب وتمنى لو أنه يستطيع أخذهما معه.

مغامرة داحس الليلية

في وقت متأخر من تلك الليلة، عندما كان كل شيء هادئاً، وانطفأت الأنوار في بيت المزرعة، خرج داحس بصعوبة من فتحة في السياج واتجه نحو الطريق العام. صهل صهيلاً خفيفاً وقال: “وداعاً أيتها المزرعة!” ثم سار بسرعة نحو البلدة.

لم يكن الظلام شديداً؛ إذ كان القمر طالعاً، لكن الهدوء كان تاماً. في طريقه، التقى كلباً يركض على الطريق فأفزعه. إلا أن الكلب كان مستعجلاً ولم يقل سوى “ليلة سعيدة” وهو ينطلق مسرعاً.

وصول داحس إلى السوق

وأخيراً، وصل داحس إلى ساحة السوق، حيث وجد كل شيء صامتاً ومهجوراً. كانت الأرجوحات الزورقية هادئة، لا تبدي حراكاً، ومرمى جوزات الهند خالياً، والأرجوحة الدوارة ذات الخيول القرمزية مهجورة.

وقف داحس في ظل جدار وانتظر قليلاً. نظر حوله، فلم يجد أحداً. حاول الإنصات لكنه لم يسمع شيئاً. توجه نحو الأرجوحة الدوارة بهدوء، وصعد على أحد الخيول القرمزية التي أعجبته كثيراً.

محاولات داحس الانضمام إلى الخيول

قال داحس للجواد القرمزي بأدب: “عفواً، هل يمكنك التحرك قليلاً لتفسح لي مكاناً؟ جد جد جدي كان من خيول السباق، وأنا أود الانضمام إليكم.”

لكن الجواد القرمزي لم يرد. فسعل داحس قليلاً ونظر إليه منتظراً، لكن الجواد ظل صامتاً. انتقل داحس إلى الجواد التالي وقال له بالأسلوب المهذب ذاته: “عفواً، هل يمكنك التلطف والتحرك قليلاً لتفسح لي مكاناً؟ جد جد جدي كان حصان سباق، وأود أن أصبح واحداً منكم.”

لكن الجواد الثاني لم يقل شيئاً أيضاً. استطاع داحس رؤية عينيه تلمعان في نور القمر، وتعجب من صمته. بعد أن جرب عدة خيول أخرى، استنتج أنها ربما نائمة بعيون مفتوحة.

الانتظار حتى الفجر

قال داحس لنفسه: “يجب ألا أزعجها، سأنتظر حتى الفجر، موعد صحوها من نومها.” ثم انتقل ليقف بجانب عربة مقفلة كأنها بيت صغير مصبوغ قائم على دواليب.

انتظر داحس بصبر لبعض الوقت، وكان على وشك النوم عندما أيقظه صوت صادر من العربة. قالت صاحبة الصوت: “يا سليم! ما هذه الضجة في الخارج؟ يبدو أن أحداً يشخر.”

فرد صوت آخر بخفوت: “لا أحد، عودي إلى النوم.”

سمع داحس صوتاً من العربة يقول: “لكن هناك شيء حقاً يا سليم، لا بد أن تخرج وتراه.” كان داحس على وشك الابتعاد عندما رأى رجلاً يخرج من العربة. كان الرجل يرتدي قميصاً وسراويل، وشعره منتصباً. قال الرجل: “يا لحسن الحظ، لقد كنتِ مصيبة يا مريم. إنه جواد صغير! من أين أتى يا ترى! سأربطه إلى الدولاب هنا.” ثم شد الرجل الحصان بقوة وربطه إلى العربة.

محاولة الهروب

بدأ داحس يفكر في ضرورة الهرب. كان يفضل جر عربة صاحبه المزارع على جر أي عربة أخرى. حاول مراراً فك الحبل الذي يربطه إلى الدولاب، ولكنه لم يفلح. بعد عدة محاولات، سمع صوتاً خشناً يأمره بالهدوء. خاف داحس وتوقف عن الحركة، ثم غلبه النعاس ونام. في نومه، حلم بأنه أصبح حصان أرجوحة دوارة، بلون قرمزي، وحافراه يضربان الهواء، وذيله يسبح خلفه.

الحلم المزعج

في حلمه، كان يدور ببطء على الأرجوحة، وعلى ظهره فتاة صغيرة. سرعان ما ازدادت سرعة الدوران، واستمرت الموسيقى تعزف، وبدأ داحس يشعر بالدوار. تمنى أن يتوقف عن الدوران، لكن الدوران استمر. ثم ركب صبي صغير على ظهره، وازدادت سرعة الأرجوحة، ومعها ازداد صداع داحس. الصبي ضرب رأسه بقبضته وركله بكعبيه، مما جعل داحس يدرك كم كان مخطئاً في رغبته أن يصبح حصان أرجوحة دوارة.

الهروب والعودة إلى المزرعة

استيقظ داحس في الصباح على تغريد البلبل، وشعر بسعادة غامرة عندما أدرك أنه لم يصبح حصان أرجوحة دوارة. قرر الهرب على الفور، وبينما كان الرجل يفك الحبل المربوط بالدولاب، استغل الفرصة ونتر الحبل من يده. انطلق داحس بأقصى سرعته عائداً إلى المزرعة، قائلاً لنفسه: “كانت فلة ورورو مصيبين، المزرعة هي المكان الأفضل. أما أن أكون حصان أرجوحة دوارة، فذلك أمر فظيع.”

العودة إلى الأصدقاء

عاد داحس إلى المزرعة وشق طريقه عبر الفتحة في السياج، حيث سمعته فلة وسرت كثيراً بعودته. سارعت لإخبار رورو بالخبر السار. في صباح اليوم التالي، تفاجأ المزارع عندما وجد داحس في الحقل، وفي فمه لجام. شكر داحس حسن حظه لأنه عاد إلى بيته وأصدقائه. ومنذ ذلك الحين، صار يتمتع بعمله ويعيش سعيداً، حتى أنه نسي تماماً أمر جده العريق، حصان السباق.

معرض الصور (قصة الحصان الساخط)

المصدر
قصة الحصان الساخط - سلسلة قصص الحيوانات - محمد العدناني - مكتبة لبنان ناشرون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى