جلس شيخ القرية بين أهله، يحكي لهم ما حدث في قرية مجاورة، فقال: إن ما سأرويه لكم مرتبط باسم من أسماء الله الحسنى، وهو «الحق». إن كل شيء قاله الله سبحانه وتعالى هو حق، وكلام الله هو الذي يفرق بين الحق والباطل.. وكلمات الله هي التي ترينا الحق وتوجهنا إليه، لأن الله سبحانه وتعالى لا هوى له، فليس له صاحبة ولا ولد، ونحن خلقه جميعا متساوون أمامه.
والله وحده هو الأمين على حقوق كل خلقه، فهو يحميهم من بعضهم البعض. والله سبحانه وتعالى له حقوق لا بد أن نؤديها، وله فضل علينا يعطينا إياه… فمن فضل الله علينا، أنه أوجد لنا كل النعم.. وأنه خلقنا ووهب لنا الحياة، ومن حق الله علينا أن نعبده ونعرف أنه لا إله إلا هو وحده.. فنطيعه فيما أمرنا به، ونمتنع عما نهانا عنه.
شيخ القرية يشرح معنى اسم الله الحق وحقوق العباد
ومن حق الله علينا، ما قرره سبحانه وتعالى من حقوق للآخرين، فالله سبحانه وتعالى قال: {وفي أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم}، إذن فهناك حق للفقير في أموالنا، وهناك حق للمحتاج، وهناك حق لزوجاتنا وأولادنا.. وآبائنا وأمهاتنا. وإن ما سأحكيه لكم الآن حدث في القرية المجاورة، لأشقاء لنا نسوا حق الله.
كانوا إخوة ثلاثة.. ملكوا حديقة غناء واسعة، لا يملك أحد مثلها بالقرية، فلما أثمر شجرها وعنبها ونخيلها، وخرجت حبوبها.. تواصوا فيما بينهم ألا يعطوا أحدا من ثمرها شيئا، وأن يكون الثمر لهم وحدهم، فلا حق لأحد فيه سواهم.
وصية الأب الصالح لأبنائه الثلاثة
وكان والدهم صالحا، رزقه الله سعة من العيش وأنعم عليه بهذه الحديقة، فعرف لله حقه، فكان يعطي الفقراء والمساكين من ثمار الحديقة.
وفي موعد جني الثمر، يفتح بستانه للفقراء والمساكين. كما يفتح قلبه مبتسما لهم… فبارك الله له في ثمره، وعاش ومن حوله في سعادة وغنى، لعطفه وكرمه.
فلما شعر الرجل بأنه يوشك أن يودع الحياة، جمع أولاده حوله، وأوصاهم بالفقراء خيرا، وأكد عليهم ألا ينسوا حق السائل والمسكين والمحروم.
انتقلت ملكية الحديقة إلى الإخوة الثلاثة، بعد موت أبيهم، فلما رأوا الأشجار والنخيل والأعناب، محملة بالثمر الكثير، عز عليهم أن يعطوا أحدا منها شيئا.
مؤامرة الأخوين لحرمان الفقراء من حقهم
فاجتمعوا، وهمس بعضهم لبعض ألا يسمحوا لأي مسكين، أن يدخل حديقتهم، أو أن يأخذ من ثمرها، وبخلوا بما أعطاهم الله من فضله.
وقال أحدهم: لن يدخلها مسكين بعد اليوم.
وقال الثاني: سنذهب لجني الثمر ليلا، حتى لا يشعر بنا أحد.
وقال الثالث: يا شقيقي استغفرا الله، واشكرا الله على فضله، ولا تحرما أحدا من الفقراء حقه.
فاستنكرا ما سمعاه من شقيقهما، واتفق الأول والثاني على أن ينفذا ما اعتزما عليه.
حاول أخوهما الثالث أن يثنيهما عن عزمهما. لكنهما لم يستمعا إليه. وعندما أصبح الفقراء والمساكين، وجدوا البستان مغلقا، والثمار قد قطفت من على الشجر فتملكهم الحزن، وترحموا على الرجل الصالح الذي مات.
عقاب الله للأخوين الجشعين وندمهما
وذات ليلة اتجه الثلاثة لقطف الثمار كعادتهم ولكنهم اعتقدوا أنهم ضلوا الطريق، فلم تكن هناك مزرعة ولا أشجار.
وقال أحدهم: أين البستان؟
ولم تمض فترة طويلة، حتى تبينوا أن حريقا قد أصاب البستان وهم نائمون، فأباده تماما وسواه بالأرض.
قال الأخ الثالث لأخويه باكيا: هذا عقاب الله على فعلتكما الشنيعة. لقد حرمنا الفقراء الرزق الذي أعطانا الله، فحرمنا الله منه، وراح كل منهم يلوم الآخر.
ثم استدار شيخ القرية وقال لمن حوله: إن الله لا يحب أن يعتدي أحد من عباده على حقوق أحد، فيظلمه أو يأخذ حقه، ولذلك فهو دائما مع المظلوم ضد الظالم، ومع المغلوب على أمره ضد الذي قهره، ومع المستضعفين ضد الطغاة، فأوصيكم يا أصدقائي بأن تعطوا كل ذي حق حقه، حتى لا يجري عليكم ما جرى على غيركم.
فقال المجتمعون: والله يا شيخنا أحسنت القول بارك الله فيك.
فنهض أحدهم مسرعا، وكان ميسور الحال، وقال: كدت أنسى حقا علي لغيري. وهو أشد مني حاجة إليه. ثم أسرع خارجا.





