كان جحا يعيش في إحدى القرى وكانت عنده دكان يبيع فيها البضاعة، وحمار ينزل عليه إلى المدينة يشتري منها البضاعة ويحملها على الحمار إلى القرية، فيبيعها ويربح بها، ويعيش من ربحها هو وزوجته وابنه وحماره.
وعندما كبر ابنه وصار عمره نحو خمسة عشر عاما، صار يطلب من أبيه أن يأخذه معه إلى المدينة ليتفرج عليها، ثم أخذ يلح عليه من أجل ذلك، وكذلك زوجته، فالولد أصبح شابا وهو يسمع بالمدينة ولا يعرفها ويريد أن يراها. وجحا كل مرة يقول له: “في المرة القادمة آخذك إن شاء الله تعالى، لأنني أخاف عليك أن تتعب في الطريق.”
وكان الولد يقول له: “ولماذا أتعب؟! وإذا تعبت فمعنا الحمار أركب عليه.”
وأخيرا أخذ جحا ابنه معه إلى المدينة، ركب هو وابنه الحمار وسارا في الطريق إلى المدينة. وما أن سارا قليلا حتى رآهم جماعة من الرجال، فقال بعضهم لبعض: “انظروا ما أظلم هذا الرجل! إنه يركب هو وابنه معا على هذا الحمار المسكين ألا يخاف الله تعالى؟!”
وعندما سمع جحا ذلك، نزل عن ظهر الحمار وترك ابنه وحده راكبا عليه لئلا يتعب بالمشي، فالطريق طويل.
حيرة جحا من تناقض الآراء
وبعد أن ساروا هكذا قليلا رآهم جماعة أخرى من الرجال، فقال بعضهم لبعض: “انظروا الشاب القوي يركب الحمار، والشيخ الضعيف المسكين يمشي، ألا يخاف هذا الشاب من غضب الله تعالى عليه؟!”
وعندما سمع جحا ذلك قال لابنه: “انزل يا بني امش أنت، وسأركب أنا مكانك.”
فنزل وركب جحا الحمار مكانه، ولكنهم لم يسيروا إلا قليلا، حتى رآهم جماعة أخرى من الرجال، فقال بعضهم لبعض: “انظروا ما أقسى هذا الرجل على ابنه، هو يركب الحمار ويدع ابنه يمشي ويتعب في هذا الحر الشديد.”
وعندما سمع جحا ذلك، احتار في أمره ماذا يفعل؟! فنزل عن ظهر الحمار، وسار هو وابنه وسحبوا الحمار وراءهم. ولم يسيروا إلا قليلا حتى رآهم جماعة أخرى من الرجال، فقال بعضهم لبعض: “انظروا إلى هذين المجنونين، هما يمشيان في هذا الحر الشديد ويسحبان الحمار وراءهما ولا يركبانه ويستفيدان منه، وهل خلقه الله تعالى إلا للركوب وحمل الأثقال؟!”
إرضاء الناس غاية لا تدرك
وعندما سمع جحا ذلك كاد يجن ويشق ثيابه، وقال: “يا رب، احترت ماذا أصنع مع الناس؟!”
ثم قال: “الصحيح أن إرضاء الناس غاية لا تدرك. بحسب المرء أن يرضي الله وكفى، ولا ينظر إلى كلام الناس.”
وركب هو وابنه الحمار وسارا إلى المدينة لا يلويان على شيء، وهنا اشترى جحا بضاعته وعاد بها هو وابنه إلى القرية، وقد سد أذنيه عن سماع كلام أحد من الناس.
العبرة من القصة
لا تنظر إلى كلام الناس، ولكن انظر إلى رضا الله.