العلوم التربوية

مفهوم تكنولوجيا التربية وأبعادها وواقعها في الوطن العربي

الفرق بين تكنولوجيا التربية وتكنولوجيا التعليم

التربية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه مختلف المجتمعات الإنسانية. ومع تقدم التكنولوجيا أصبحت مرتبطة بمجالات متعددة يرتبط كل مجال منها  بأحد النشاطات الإنسانية، والأجهزة المتصلة بهذا المجال. فهي لا يتوقف مفهومها علي مجرد الآلات والأجهزة فقط بل تنظيم المعرفة العلمية وتطبيقاتها بهدف تحقيق أغراض منشودة من خلال أدوات وأجهزة وأنشطة فعالة. ولعل من أهم مجالات المرتبطة بها هي تكنولوجيا التربية.

مفهوم التكنولوجيا

بدأ مفهوم التكنولوجيا في الظهور والتبلور في القرن الماضي نتيجة للتقدم  العلمي والصناعي في جميع المجالات المختلفة. وظهر تعريفات كثيرة لمفهوم التكنولوجيا منها، تعريف جلبرت بأن التكنولوجيا هي التطبيق النظامي للمعرفة العلمية أو هي أي معرفة منظمة من أجل أغراض علمية.

وعرفت بأنها العلم الذي يهتم بتحسين الأداء والممارسة، والصياغة في أثناء تخطيط العمل.

مفهوم تكنولوجيا التربية

ظهر مفهوم تكنولوجيا التربية ليشمل العملية التعليمية بجميع جوانبها بدءاً من تحديد أهدافها وحتي التقويم، والاستفادة من نتائجه.كما تعتني بتحليل المشكلات والتنسيق الإدارى، وهى بذلك تعتني بتطوير التعليم والإدارة التعليمية معا. ومن هنا فهي معنية بالعملية التعليمية من زاويتيها الأدائية والإدارية.

وعلي الرغم من التداخل بين مفهوم تكنولوجيا التربية وتكنولوجيا التعليم فإن الأول أعم وأشمل. لأن التعليم أحد وسائل التربية ووسيلة من وسائلها، وقد عرفت تكنولوجيا التربية تعريفات عديدة منها:

  1. هي طريقة منهجية في التفكير والممارسة تجعل العملية التربوية نظام متكامل لتحديد المشكلات المتصلة بجميع جوانب التعلم الإنساني. وتحليلها وإيجاد الحلول المناسبة لتحقيق أهداف تربوية محددة.
  2. إنها طريقة منهجية نظامية تصمم بها العملية التعليمية التعلمية بكاملها، وبها تنفذ وتقوم بالاستناد إلي أهداف محددة. وما توصلت إليه الدرسات والأبحاث في مجال التعلم والتعليم، واستخدام المصادر البشرية، وغير البشرية لخدمة أهداف تربوية محددة.
  3. إنها تصميم المناهج والخبرات التعليمية وتقويمها والإفادة منها. وهي مدخل منطقي إلي التربية قائم علي حل المشكلات، وهي طريقة للتفكير في التعلم والعمل المنظم.
  4. وعرفها عمر الشيخ بأنها علم صناعة الإنسان تعني بتصميم البيئات أو الظروف علي وفق المعرفة العلمية عن السلوك الإنساني لغرض بناء شخصيته أو تكوينها التكوين النفسي والإجتماعي المطلوب.

ابعاد تكنولوجيا التربية

ومما سبق يمكننا القول بأنها تستند إلي ثلاثة أبعاد:

أ- سند نظري من المبادئ والأفكار والنظريات تستند إليه.

ب- مجال عملي تطبيقي توضع فيه الأفكار والنظريات موضع التطبيق، والممارسة العملية.

ج- مجموعة من الناس تمارس الأفكار والنظريات إجرائياً في صورة مهام وأدوار تؤدي في إطار مهنة لتحقيق أهداف تربوية

مخطط يوضح العلاقة بين تكنولوجيا التربية و تكنولوجيا التعليم

الفرق بين تكنولوجيا التريية وتكنولوجيا التعليم

بالرغم من تداخل المفهومين لدي البعض إلا أنه يمكننا توضيح الخلاف بينهما مثل الاختلاف بين مفهوم التربية ومفهوم التعليم. وعلي ذلك يري المتخصصون بأن تكنولوجيا التعليم تندرج تحت تكنولوجيا التربية التي تكون أعم وأشمل لأن التعليم وسيلة من وسائل التربية.

وبينما تكنولوجيا التربية تقوم علي أسس نظرية من مبادئ وأفكار ونظريات تستند إليها. فإن تكنولوجيا التعليم هي المجال التطبيقي الذي توضع فيه النظريات والأفكار تحت التطبيق والممارسة العلمية. وهي أعم وأشمل من مفهوم الوسائل التعليمية والذي يعني الأجهزة والأدوات المستخدمة في التعليم. ويوضح المخطط التالي مدي التداخل بين كل من المفاهيم.

مخطط يوضح العلاقة وتداخل المفاهيم

مما تقدم يمكننا تعريف تكنولوجيا التربية بأنها هي إدارة وتطوير مصادر التعلم وفق منهج النظم وعمليات الاتصال في نقل المعرفة. وبذلك تكون تكنولوجيا التعليم نظام فرعى من تكنولوجيا التربية وواحدة من أبعادها الثلاثة.

وعليه فإن تكنولوجيا التعليم تمثل البعد الثاني من أبعاد تكنولوجيا التربية الثلاثة، كما يوضحها الرسم التالي

مخطط يوضح العلاقة بين تكنولوجيا التربية وتكنولوجيا التعليم مدونة تربية سليمة

وهذا يوضح أن تكنولوجيا التعليم تمثل الجانب الإجرائي والتطبيقي الذي يتم فيه تطبيق أفكار ومبادئ تقوم عليها تكنولوجيا التربية.

كما يعرف “تشالز هوبان” تكنولوجيا التعليم بأنها تنظيم متكامل يشمل كل من الإنسان والآلة والأفكار والأراء وأساليب العمل والإدارة بحيث تعمل داخل إطار واحد.

مخطط يوضح عناصر تكنولوجيا التعليم

وتتفق كل من تكنولوجيا التربية وتكنولوجيا التعليم في أنهم يعتمدان علي:

  1. أساس نظري.
  2. مدخل النظم.
  3. ثلاثة عناصر واحدة  تتمثل في العنصر البشري/والأجهزة والأدوات/والتفاعل بينهما.
  4. حل المشكلات وتحقيق الأهداف التربوية المرغوبة.

التكنولوجيا في التربية

قد لا يفرق البعض بين مفهوم “تكنولوجيا التربية” ومفهوم “التكنولوجيا في التربية” ولكن هناك اختلاف بينهما. حيث يمكن تعريف (التكنولوجيا في التربية) بأنها، هي إستخدام تطبيقات التكنولوجيا المواكبة للعصر لإدارة العمل في المؤسسات التربوية لتحقيق غايات وأهداف تربوية محددة.

كما أن مفهوم التكنولوجيا في التربية يتعدي إلي خارج ما يوجد داخل المؤسسات التربوية حيث تشمل المؤثرات التي أحدثتها التكنولوجيا في المجتمع ومدى الانعاكسات التربوية للتكنولوجيا. مثال ذلك فإن التليفزيون والإذاعة وتكنولوجيات الاتصال السلكي واللاسلكي ومشاهدة الإعلانات الضوئية والإلكترونية في الشارع وغيرها يدخل تحت إطار ومفهوم التكنولوجيا في التربية. ويشمل كذلك المؤثرات التكنولوجية المطبقة فى حياة الفرد المنزلية باعتبار المنزل مؤسسة تربوية تستخدم التكنولوجيا فى الصحة والطعام والاقتصاد.

الفرق بين تكنولوجيا التربية والتكنولوجيا في التربية

من المهم أن نوضح أن (التكنولوجيا فى التربية) لا تعني (تكنولوجيا التربية) وإنما تعنى مؤثرات التكنولوجيا على حياة الفرد التربوية وتنشئته التربوية سواء كانت وسائل التكنولوجيا موجودة داخل أو خارج المدرسة، في المنزل أو المجتمع باعتبارهما مؤسسات تربوية.

 وبمعنى آخر فإن المؤثرات التكنولوجية في المجتمع وأن كانت خارج المدرسة مثل مشاهدة التلفزيون والإعلانات واستخدام الهاتف وغيرها تؤثر علي تنشئة الفرد وتربيته . وحتى يمكن تلافى الآثار السلبية لهذه المداخلة، لابد من إيجاد سبيل للتكامل بين ميادين المجتمع، وخاصة بين مؤسسات الإعلام ومؤسسات التعليم علي شكل وجود قنوات اتصال مثل تشكيل لجان أو غيرها لتنسيق  التواصل بين التعليم والإعلام، وما لم يتم ذلك بصورة مستمرة فإن ما يبنى فى التربية قد يهدم خارج المدرسة.

تأثير تكنولوجيا التربية في التدريس

لم تعد مهمة المعلم تقتصر على الشرح والتلقين وإتباع نفس أساليب التدريس التقليدية، بل أصبحت مسئولية المعلم الأولى هي رسم مخطط وإستراتيجية تعمل فيها طرق التدريس والوسائل التعليمية علي خدمة أهداف تربوية منشودة مع الأخذ فى النظر جميع العناصر التي تؤثر علي الاستراتيجية مثل غرفة الصف وطريقة تجميع المتعلمين وغير ذلك.

ويمكن للمعلم تحقيق ذلك من خلال نظام مكون من أربع عمليات رئيسة، وهى:

  1. تحديد أهداف الدرس فى صياغة سلوكية واضحة.
  2. التقدير المبدئي لما يعرفه المتعلم للموضوع الذي بصدد تعلمه مع مراعاة ظروف المتعلم النفسية والاجتماعية.
  3. رسم خطة واستراتيجية التدريس التي ينوي المعلم اتباعها في تدريس الموضوع لتحقيق أهداف الدرس. وذلك من خلال استخدام طريقة تدريس تحقق كل هدف مع تهيئة واختيار الوسائل التعليمية المناسبة لذلك.
  4. محاولة المعلم تقييم العناصر السابقة لمعرفة ما مدى تحقيق التلميذ لأهداف الدرس.

ونتائج هذا التقييم تساعد المعلم على تعديل مكونات النظام وتغيير أساليب تدريسه وإعادة صياغة أهداف الدرس حتى يتم التعلم  وتحقيق الأهداف بالمستوى المطلوب.

رسم تخطيطي يوضح عناصر خريطة التدريس

 واقع تكنولوجيا التربية والتعليم في الوطن العربي

رغم محاولة الكثير من بلادنا العربية الاستفادة من تكنولوجيات التربية والتعليم إلا أن بعض المعوقات والسلبيات. مثل الموقف السلبي لبعض المدرسين، حيث يعتبرها بعضهم عل هامش العملية التربوية، وليست في صميمها.

بإلاضافة إلي ذلك أن عدد كبير من المدراس في هذه البلاد ما تزال تفتقر إلى الاجهزة التعليمية وان وجدت مثل هذه الأجهزة في بعض المدارس. فإن غالبيتها لا تفي بحاجات المدرسة ولا تستخدم من قبل المدرسين لكونها محفوظة في المستودعات. أو المختبرات أو كسل المدرس نفسه أو موقف
الإدارة السلبي، أو صعوبات يفرضها الروتين، أو عدم توفر قاعة للعرض. كما تبين الدراسات أن معظم المدارس في البلاد العربية ينحصر استخدامها علي بعض المواد التعليمية كاللوحات والمصورات والخرائط المتوافرة في المدارس.

إذن مازالت المدارس العربية تفتقر إلى الأجهزة الحديثة في التعليم وان المدارس نفسها غير مهيأة لاستخدام مثل هذه الأجهزة، أما بالنسبة لإنتاج البرمجيات التعليمية مثل أفلام الفيديو الشفافيات، برمجيات الحاسوب الشرائح …إلخ فقد أثبتت الدراسات المسحية أيضا إن غالبية الدول العربية ما زالت غير قادرة علي إنتاج مثل هذه البرمجيات بكيات كبيرة، وان ان هناك إنتاج فهو مقتصر عل إنتاج بعض الحرائط أو اللوحات.

أما التسهيلات المادية فإن معظم الدول العربية باستثناء دول الحليج النفطية تعافي من نقص في التمويل لمثل هذه الأجهزة أو البرمجيات، أو تدريب الكوادر الفنية في مجال التقنيات خاصة الحاسوب الذي اخذ بغزو العالم، وأصبح استخدامه سمة هامة من سمات هذا العصر.

أما فيما يتعلق بالكوادر الفنية في مجال التقنيات فتشير الدراسات إن معظم العاملين في إدارات الوسائل التعليمية هم من المتخصصين في التربية الفنية، ولديهم بعض المهارات في الرسم والتصوير وعمل النماذج … إلخ أو من الفنيين الذين تدربوا علي استخدام هذه المواد والأجهزة. أما المتخصصون في مجال تكنولوجيا التعليم فهم فئة قليلة تعمل في الجامعات والمعاهد بالتدريس الأكاديمى.

الخاتمة

مع التطورات التكنولوجية الحاصلة وما أفرزته ثورة المعلومات تنامى لدى الأفراد والمجتمعات جملة من الطموحات في مجال التربية ما فرض التخلي عن الطرق التعليمية القديمة، وإدراج التكنولوجيات الحديثة في العملية التعليمية. وهذا ما سمي بتكنولوجيا التربية التي تتلخص في جملة العمليات والمناهج والتقنيات المستخدمة لتسهيل عمليات التعليم وتحقيق الأهداف المسطرة. ويمكن تلخيص استحداث تكنولوجيا التربية من أجل تحقيق الغاية من التربية والتي تتلخص في تطور المداخل المعرفية، وتحقيق جودة تعليمية من خلال الارتقاء في نوعية التعليم والمتعلمين. وأخيرا التقليل من التكاليف في الميدان التعليمي.


المراجع

  1.  د.محسن علي عطية، تكنولوجيا الاتصال في التعليم الفعال، دار المناهج للنشر والتوزيع،2008
  2. د. حسام الدين محمد مازن، تكنولوجيا التربية مدخل إلي التكنولوجيا المعلوماتية، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع،2014
  3. أ. جوادي يوسف وأخرون، تكنولوجيا التربية والتعليم محاولة مفاهيمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى